وطنية – افتتح صباح اليوم، مجلس بطاركة الشرق الكاثوليك، نزولا عند رغبة الكرسي الرسولي، الجمعية السينودسية القارية للكنائس الكاثوليكية في الشرق الأوسط التي تستمر أعمالها من 13 الى 18 من شهر شباط الحالي في بيت عنيا – حريصا في لبنان، وذلك بعد سنة على افتتاح هذا المسار السينودوسي، الذي شارك فيه الملايين من كل أنحاء العالم في مرحلته الأولى الإستشارية، وينتقل اليوم إلى مرحلته الثانية القارية.
وكان قداسة الحبر الأعظم البابا فرنسيس طلب من جميع الكنائس الكاثوليكية في العالم “مراجعة حياتهم المسيحية والـ”السير معا” على ضوء الإنجيل ومستلزمات الزمن الحاضر تحضيرا للسينودس الذي سيعقد في حاضرة الفاتيكان الكاثوليكية في تشرين الأول/ أكتوبر 2023 و 2024، بعنوان :”من أجل كنيسة سينودسية: شركة ومشاركة ورسالة”.
شارك في الجلسة الافتتاحية رئيس الجمعية السينودسية ورئيس مجلس بطاركة الشرق الكاثوليك البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، السفير البابوي في لبنان المطران باولو بورجيا، أمين عام سينودس الأساقفة الكردينال ماريو Grech، ومنسق الجمعية العامة المقبلة لسينودس الأساقفة الكردينال جان كلود Hollerich، بطريرك أنطاكيا وسائر المشرق للسريان الأرثوذكس مار اغناطيوس افرام الثاني ممثلا بالمطران مار كلمنس دانيال ملاك كورية، بطريرك كيليكيا للأرمن الأرثوذكس آرام الأول كشيشيان ممثلا بالاسقف المتقدم كوميداس أوهانيان النائب الكاثوليكوسي في الشؤون الكنسية، نائب رئيس المجلس الشيعي الأعلى الشيخ علي الخطيب ممثلا بالشيخ الدكتور محمد حجازي، شيخ العقل لطائفة الموحدين الدروز الدكتور سامي أبي المنى ممثلا بمستشاره الشيخ عامر زين الدين، رئيس المجمع الأعلى للطائفة الإنجيلية في سوريا ولبنان القس الدكتور جوزيف قصاب ممثلا بالقس جورج مراد، ولفيف من الرؤساء العامين والرئيسات العامات والكهنة والرهبان والراهبات والعلمانيين من سوريا، مصر، الأردن، والاراضي المقدسة، العراق ودول الخليج.
الافتتاح
استهل اللقاء بوقفة صلاة على نية ضحايا الزلزال المدمر الذي ضرب سوريا وتركيا تلاها البطريرك الراعي، تبعها صلاة الإفتتاح، فكلمة ترحيبية للزميلة هوغيت سلامة .
علوان
تحت عنوان “في الشرق، نكون مسيحيين معا أو لا نكون” القى الأمين العام لمجلس البطاركة ومنسق أعمال الجمعية القارية الاب خليل علوان، كلمة جاء فيها:
” في العام 1992، وجه بطاركة الشرق الكاثوليك، الى أبنائهم الموجودين في الشرق والمنتشرين في أصقاع الأرض، رسالة راعوية بعنوان: “الحضور المسيحي في الشرق، شهادة ورسالة”. هذه الرسالة رسمت لنا طريق الكنائس الكاثوليكية في الشرق واختصرت هويتها ومستقبلها بكلمة “حضور”. واسمحوا لي في بداية أعمال هذه الجمعية أن أتذكر وإياكم ما ورد في هذه الرسالة حول دعوتنا المشتركة. يقول الآباء البطاركة: ” بعد أن استعرضنا وإياكم الظروف العالمية والإقليمية والكنسية التي نعيش فيها، نود …، أن نحاول تحديد بعض معالم دعوتنا ورسالتنا في ضوء إيماننا. ولقد اخترنا “الحضور” كواقع إيماني يرافق تفكيرنا، ويوحد أطرافه، ويحدد اتجاهه العام. ويعني الحضور أن نكون في وسط المجتمع الذي نعيش فيه علامة لحضور الله في عالمنا، مما يدعونا إلى أن نكون “مع” و”في” و”من أجل”، لا “ضد” أو “خارج” أو “على هامش” المجتمع الذي نعيش فيه. وهذا مطلب أساسي من متطلبات إيماننا ودعوتنا ورسالتنا. ويقف “الحضور” بين نقيضين: الانعزال والذوبان. وكلاهما شر قاتل. فالانعزال يلغي رسالتنا، والذوبان يقضي على هويتنا. أما الحضور الأصيل فهو ضمان لهذه وتلك، إذ يعمق أمانتنا لله ولأنفسنا وللمجتمع الذي أراده الله مكانا لمسيرتنا الأرضية” (الرسالة الراعوية الثانية).
اضاف:” هذه الرسالة الراعوية تحدث الآباء بإسهاب عن حضورنا في هذا الشرق كدعوة من الله، وهو شهادة ورسالة. وعلى مثال المسيح وكنيسته، فإن حضورنا هذا هو حضور متجسد، فاعل وأصيل، في اللغة العربية وفي التراث العربي ونحن من بناته وفي الحضارة العربية ونحن من شارك في ارسائها. وحضورنا، هو أيضا حضور في خدمة الإنسان دون تفرقة أو تمييز، وحضورنا هو حضور مسكوني للتعاون المشترك، وحضورنا في الشرق هو حضور الحوار مع ذوي الإرادة الصالحة من مسلمين ويهود، وأخيرا حضورنا في بعده العالمي، بفضل أبناءنا المنتشرين، هو شركة الإيمان والمحبة والانتماء الحضاري أينما وجدنا”.
تابع:” بعد مرور ثلاثين سنة على ورقة الطريق هذه، أعلن قداسة البابا مسيرة سينودوسية بعنوان “نحو كنيسة سينودوسية، شركة مشاركة ورسالة”. أوليس “حضورنا” الذي شاءه البطاركة يتماهى مع هذه المسيرة السينودوسية؟ أليس حضورنا هذا في الشرق هو الشركة التي تجمعنا؟ أليست هذه هي المشاركة الفعالة، والشهادة الحقة؟.
واشار الأب علوان الى “إن جمعيتنا القارية هذه، تختلف عن بقية الجمعيات القارية، فهي ليست قارية بالمعنى الحصري للكلمة. وهي تتميز عن بقية المجالس الأسقفية في العالم بأنها تتكون من سبع كنائس كاثوليكية، رسولية، بطريركية وذاتية، “sui juris”. تحتكم جميعها “لمجموعة قوانين الكنائس الكاثوليكية الشرقية” ولكل منها شرعها الخاص، وتقاليدها وعاداتها وطقوسها الليتورجية. ولأسباب عديدة، منها السياسية والاجتماعية والاقتصادية والدينية، هاجر أبناؤه إلى جميع أنحاء الأرض وأنشأوا أبرشيات ورعايا، حيث انضم أساقفة الانتشار إلى المجالس الأسقفية المحلية مع الحفاظ على علاقتهم مع أوطانهم والحفاظ على التواصل والوحدة مع كنائسهم الأم”.
ولفت الى اننا “نجتمع اليوم، سبع كنائس كاثوليكية: أقباط، وسريان، وموارنة، وملكيون، وكلدان، وأرمن ولاتين. توافدنا من الأراضي المقدسة والأردن ولبنان وسوريا ومصر والعراق وأرمينا، لنصغي الى “ما يقوله الروح للكنائس” (رؤيا 2/7) ولنصلي ونفكر معا حول همومنا المشتركة ونتشارك تطلعاتنا المستقبلية بالرجاء الذي لا يخيب (راجع، عبر 10/23).
واعتبر علوان “ان أمورا كثيرة تجمعنا وتوحدنا. تجمعنا أوضاع بلداننا، حيث نفتقر جميعا، وفي غالب الأحيان، إلى حرية المعتقد وحرية التعبير، وحرية المرأة وحرية الطفل؛ ونسعى جميعا وفق طاقاتنا الى محاربة الفساد في السياسة والاقتصاد؛ ونسعى جميعا الى ممارسة الشفافية في مؤسساتنا الدينية والاجتماعية ونتوق إلى ممارسة المواطنة المسؤولة، ومحاربة الفقر والجهل. ونتألم جميعا من هجرة أبنائنا الذين ضاق بهم أفق العيش الكريم، فتضاءل بذلك وجودنا وشهادتنا في الأرض التي اختارها الرب موطنا له”.
وقال الأب علوان :”‘ولكن، نحن أبناء الكنيسة، لا تجمعنا فقط هموم الحياة وصعابها، بل تجمعنا أيضا معمودية واحدة، وإيمان واحد ومحبة واحدة ورجاء واحد. وانطلاقا من هذا الذي يوحدنا، نعقد هذا الأسبوع جمعيتنا السينودوسية لنختم بها المرحلة الثانية من “السير معا”، أعني المرحلة القارية. وقد حرصنا على أن تكون جمعيتنا، كما شاءها قداسة البابا فرنسيس، جمعية سينودوسية لا جمعية فقط أسقفية كما جرت العادة. وقد “حرصنا أيضا أن تمثل تنوع شعب الله من أساقفة، وكهنة، وشمامسة، ومكرسات ومكرسين، وعلمانيين وعلمانيات… (الوثيقة القارية ، عدد 108). كما يشارك فيها بعض الأشخاص الذين ينتمون إلى الكنائس الأرثوذكسية والبروتسنتية، والأشخاص الذين لا ينتمون إلى أي مرجع ديني، وآخرون ذوو الحاجات الخاصة كجمعية “أنت أخي”.
كما شرح الأب علوان “إن المرحلة الأولى الاستشارية كانت على مستوى الكنائس عن طريق الأبرشيات والرعايا. وقد قدمت كل كنيسة خلاصة استشاراتها الى أمانة سر السينودوس. ولأن السينودس هو “السير معا” فقد اعتمدنا في المرحلة الثانية القارية، أن تكون الاستشارة على مستوى البلدان فتجتمع الكنائس مع بعضها في كل بلد لتقدم تقريرا وطنيا واحدا”.
وواضح “لا تهدف جمعيتنا إلى مناقشة المواضيع أو عرض الحلول أو اقتراح المشاريع أو أخذ القرارات، بل إلى مقاربة ما أجمعنا عليه في أجوبتنا الوطنية مع ما جمعته الوثيقة القارية مما “قاله شعب الله في العالم كله في السنة الأولى للمسار السينودوسي” (راجع الوثيقة القارية، عدد 105). وعليه فـ”الوثيقة القارية هي إذا الوسيلة الفضلى التي بواسطتها يمكن تحقيق حوار الكنائس المحلية بعضها مع بعض، ومع الكنيسة الجامعة. في هذه المرحلة من المسار السينودوسي، …، في سبيل تعزيز مسار الإصغاء والحوار والتمييز الروحي” (راجع الوثيقة القارية، عدد 106)”.
وتابع:”‘ولأنها المرة الأولى التي يجتمع فيها شعب الله في مختلف بلدان الشرق الأوسط ومن الكنائس السبع الكاثوليكية، إسمحوا لي مرة أخرى أن اردد على مسامعكم ما ورد في الرسالة الراعوية الأولى لأصحاب الغبطة البطاركة، التي كتبت منذ ثلاثين سنة، ولا تزال تحاكينا اليوم في جمعيتنا السينودوسية هذه. يقول السادة البطاركة إلى أبنائهم وإلى إخوتهم في الكنائس المشرقية الأخرى: “إن كنائسنا في الشرق تمتاز بقدمها، وغنى تراثاتها، وتنوع تعابيرها الطقسية، وأصالة روحانياتها وآفاقها اللاهوتية، وقوة شهادتها عبر القرون التي وصلت حتى الاستشهاد البطولي في بعض الأحيان. وكل هذا رصيد حي نحمله في قلوبنا، وحافز أمل عظيم، ومصدر ثقة وثبات نستلهمه بينما نتلمس طريق المستقبل. إن التنوع هو السمة الأساسية للكنيسة الجامعة والمسيحية في الشرق. ولقد كان هذا التنوع دوما مصدر غنى للكنيسة جمعاء عندما عشناه في وحدة الإيمان وبروح المحبة. ولكنه، يا للأسف الشديد، تحول إلى انقسام وفرقة بسبب خطايا البشر وابتعادهم عن روح المسيح. ومع هذا فإن ما يجمعنا أكثر وأهم مما يفرقنا ولا يحول دون تلاقينا وتعاوننا. إن مسيحية الشرق، على انقساماتها، تشكل في أساسها وحدة إيمان لا تتجزأ. إننا مسيحيون معا في السراء والضراء. فالدعوة واحدة والشهادة واحدة والمصير واحد. وعليه فنحن مطالبون بالعمل معا، بشتى الطرق والوسائل، لتثبيت جذور المؤمنين الموكلين إلينا، بروح الأخوة والمحبة، في مجالات عدة يدفعنا إليها الخير المشترك لعامة المسيحيين، كما تدفعنا إليها تطلعات جميع المؤمنين من مختلف الكنائس المسيحية، الذين يضعون كبير آمالهم في تعاوننا وتقاربنا. في الشرق، نكون مسيحيين معا أو لا نكون. وإن لم تكن العلاقات بين الكنائس في الشرق دوما على ما يرام لأسباب كثيرة، منها الداخلية ومنها الخارجية، فقد حان الوقت أن ننقي ذاكرتنا المسيحية من رواسب الماضي السلبية مهما كانت مؤلمة، كي ننظر معا إلى المستقبل بروح المسيح وبهدي إنجيله وتعاليم رسله”. (الرسالة الراعوية الاولى ، لبنان،1991 والرسالة الراعوية الثانية، عدد 39).
هولريخ
ثم القى مقرر عام السينودس الكاردينال جان-كلود هولريخ، كلمة جاء فيها:” بعد إغلاق المرحلة الأولى من مسيرتنا السينودسية المتعلقة بالكنائس الخاصة والحقائق الكنسية الأخرى، تبدأ منذ شهر شباط 2023 المرحلة القارية. وفي هذه المناسبة، يشرفني بشكل خاص أن أكون حاضرا في الشرق الأوسط، حيث للسينودسية تقليد طويل ولرغبتي بأن أختبر وأتعلم السينوديسية منكم. وبفضل مساهمتكم الثمينة، أنا مقتنع تماما ، أنه يمكن للكنيسة الجامعة أن تصبح أكثر سينودسية، وأنها قادرة أن توسع مساحة خيمتها.
” وسعي فسحة خيمتك” (إشعياء 54:2).
ومن وحي هذه الكلمات المأخوذة من سفر إشعياء، اجتمع فريق من الخبراء ذوي المهارات ووجهات النظر المختلفة من القارات الخمس في تشرين الأول 2022 في فراسكاتي (روما) لتطوير وثيقة عمل السينودس في روما، المتعلقة بالمرحلة الثانية من المسيرة السينودسية، وذلك استنادا الى 112ملخصا وطنيا تلقتها الأمانة العامة.
كما نعلم، جعل البابا فرنسيس من السينودسية، التي تفهم على أنها “السير معا” بالاصغاء إلى الروح ، المحور المركزي لحبريته. وإذا اجتمعنا الآن هنا في بيروت، فنحن نساهم، بالاشتراك مع الجمعيات القارية الأخرى وعلى أساس وثيقة العمل المذكورة أعلاه والتقاليد السينودسية الطويلة في الشرق الأوسط، في العثور على إجابة للسؤال الأساسي الذي يوجه المسيرة السينودسية برمتها ، وهو التالي: “كيف يتحقق هذا” السير معا “الذي يسمح للكنيسة بإعلان الإنجيل، وفقا للرسالة الموكلة إليها، والتي يجب أن تتحقق اليوم على مستويات مختلفة (من المستوى المحلي إلى المستوى العالمي)؟ وما هي الخطوات الأخرى التي يدعونا الروح القدس إلى اتخاذها لكي ننمو ككنيسة سينودسية؟ (الوثيقة التحضيرية رقم 2).
بالطبع، لن يكون من شأن هذه المرحلة القارية معاودة المشاورة والاصغاء والتمييز التي جرت على مستوى كنائسنا المحلية مع شعب الله بأجمعه. بدلا من ذلك، فهي عملية تعميق للتمييز من قبل الأفراد الذين تم تحديدهم لتمثيل كنائسنا المحلية في مراحل ما قبل التجمع التي تسبق الجمعية القارية. وبالتالي، فإن المرحلة القارية تتكون من وقت للإصغاء إلى شعب الله بأجمعه والكنائس المحلية بأجمعها والتمييز، أي إطلاق الحكم الصائب بالفطنة، وكل ذلك على أساس قاري.
و نحن نعلم أن “السير معا “مفهوم يسهل التعبير عنه بالكلمات ، ولكن ليس من السهل تطبيقه” (البابا فرنسيس ، 17 تشرين الأول/2015). و يعد هذا “السير معا” أكثر دقة في الشرق الأوسط الذي يتغنى بواقع متعدد الأديان والطوائف مثل المسيحية والأرثوذكسية والبروتستانتية واليهودية والإسلامية. إلا أن هذا التنوع هو بحد ذاته ثراء وفرصة جميلة تجعل السينودسية ممكنة، لأنها تتعلق بالسير معا وليس السير بانفراد.
ومع الاقتناع بأن السير السينودسي هو من صنع الرب ، فإننا نسمح لأنفسنا بأن يقودنا روحه، الذي هو البطل الحقيقي لرواية السينودس. كما أود أن أدعونا لنسمح لأنفسنا بأن يسترشدنا الروح القدس خلال الاجتماعات المختلفة لهذة الجمعية في بيروت ليتجلى فينا روح السينودسية مثل “النمط الرسولي” للكنيسة ، لمواجهة تحديات العالم المعاصر”.
غريش
بدوره تحدث أمين عام سينودس الأساقفة الكاردينال ماريو غريش عن “المرحلة القارية: خطوة غير مسبوقة في مسيرة السينودس”، وقال:””الكنيسة السينودسية هي كنيسة الإصغاء”. أستهل كلمتي بهذا الاقتباس من الخطاب الذي ألقاه قداسة البابا فرنسيس بمناسبة الذكرى الخمسين لتأسيس سينودس الأساقفة (15 تشرين الأول 2015)، لأنه يتيح لنا تحديد موقع المرحلة التي نحتفل بها بشكل أوضح. وتشكل المرحلة القارية، في الواقع، لحظة إصغاء أخرى تتم دعوة الكنيسة إليها وتعرف بـ “الإصغاء المتبادل”، حيث يكون لكل فرد ما يتعلمه. المؤمنون، كلية الأساقفة، أسقف روما: أحدهم يستمع للآخر ؛ والجميع يستمع إلى الروح القدس، “روح الحق” (يو 14:17) ، لكي يعرفوا ما “يقوله الروح للكنائس” (رؤ 2: 7) “.
فمبدأ الإصغاء هذا، هو أساس المسيرة السينودسية برمتها، التي تبلورت في المراحل التي أنشأها الدستور الرسولي Episcopalis communio ، محولة بذلك السينودس من حدث إلى مسيرة. ومع المرحلة القارية، سنغلق المرحلة الأولى، أي المرحلة المتعلقة بالكنائس الخاصة وتجمعاتها. وأود أن أعيد قراءة المسار الذي سلكته حتى الآن في نص أوسع أعهد إليكم بمراجعته. ومن شأن التأمل بالمراحل السابقة – استشارة شعب الله في الكنائس الخاصة وتمييز رعاة الابرشيات في مؤتمرات الأساقفة والهيئات الموازية لهم في الكنائس الشرقية – أن يساعدنا على تحديد موقع الحدث الذي نحتفل به بشكل أفضل.
إلا أنني أود تسليط الضوء على جانبين من جوانب المسيرة حتى الآن، قبل أن أتناول النقاط التي تؤثر بشكل مباشر على المرحلة القارية.
الجانب الأول: إنه لمن المهم أن يتضح للجميع أن نجاح المسيرة يعتمد على المشاركة الفعالة لشعب الله والرعاة. إن الممارسة الصحيحة للمجمع السينودسي لا تضع هذين الموضوعين في منافسة أبدا ، ولكنها تحافظ عليهما في علاقة ثابتة ، مما يسمح لكليهما بأداء وظيفتهما الصحيحة. لقد مكنت المشاورة في كنائس معينة شعب الله من تنفيذ تلك الطريقة الصحيحة للمشاركة في الوظيفة النبوية للمسيح ، والتي تتجلى في حس الإيمان أو معرفة الله sensus fidei لجميع المعمدين. لكن هذا العمل الكنسي لم يتم بدون الأساقفة (أو ما هو أسوأ من ذلك، لم يتم ضدهم): فبدأ كل راعي بالتشاور في كنيسته، وفي إطار مؤتمرات الأساقفة، وتحلوا جميعا بفضيلة الحكمة التي تتلاءم مع مفهوم التعليم أي munus docendi . ويمكننا أن نعتبر فعلا أن دينامية الشركة هذه ثمرة التجربة المجمعية التي تبدد أكثر من بضع مخاوف أولية. إن مشاركة شعب الله بنشاط في حياة الكنيسة لا ينتقص من الخدمة الهرمية بل، يقويها ويظهر وظيفتها التي لا غنى عنها في حياة الكنيسة.
الجانب الثاني: أهمية الإصغاء. الإصغاء للاستماع إلى الروح القدس الذي يتكلم إلى الكنيسة. فالقول بأن “الكنيسة المجمعية هي كنيسة إصغاء” لا يمكن ولا يجب اختزاله في عبارة بلاغية. ولو كان هذا صحيحا، فيجب أن يكون دائما صحيحا. فالإصغاء بالنسبة للكثيرين ليس إلا مضيعة غير مجدية للوقت، مما يخدم بل ويبرر أولئك الموجودين في الكنيسة الذين يريدون إثارة الجدل، مما يتيح لهم “وضع العصي في الدواليب”.
مع ذلك، سيكون من الغريب أن نتظاهر بإنضاج إجماع حقيقي في سينودس حول السينودسية، لا بل على الكنيسة السينودسية، دون أن نمارس بشكل كامل المبدأ الذي يدعم وينظم ممارسة السينودسية. وكنا قد طلبنا في الوثيقة التحضيرية أن نصغي إلى الجميع، حتى الأبعد منهم، ربما مع افتراض أن إصغاء أولئك الذين يشاركون في حياة الكنيسة أمر مفروغ منه. وتناثرت الانتقادات على هذا المؤشر وكأننا نريد تفضيل البعض على حساب البعض الآخر. إلا أننا بالكل نعني الكل، ولا أحد مستبعد.
وفي هذا الصدد ، أشعر بالحاجة إلى التأكيد على أنه انطلاقا من هذه المرحلة القارية تحديدا ، علينا أن نكون أكثر انتباها للأصوات “داخل” الكنيسة، وتحديدا تلك الأصوات التي تحدث اضطرابا في الجسد الكنسي في كثير من الأحيان. ففي الاستشارات ، تمكنا من الاستماع إلى جميع الأصوات، باستثناء أصوات أولئك الذين لم يتكلموا، إما لأنهم لا يستطيعون أو لا يريدون الكلام. وقد اصغينا أيضا الى الصمت! كما أصغينا إلى الكرسي الفارغ! وإذا لم يستطع أحد من التكلم ذلك لأننا فشلنا في الاصغاء، فنحن مدعوون للاعتراف بمصدر فشلنا. ولكن إذا لم يرغب المرء في الكلام، فعلينا أن نفهم أسبابه. أما أصدق طريقة، والتي تتجنب الاختصارات السهلة، فتكمن بإنشاء “أماكن” يمكن للجميع التحدث فيها ؛ أماكن اللقاء حيث يشعر الجميع أنهم مسموعون. لا تعتمد الحقيقة في الكنيسة على نبرة الكلام وحجمه، بل على الإجماع الذي يمكنها أن تخلق وتحديدا من خلال الإصغاء لبعضنا البعض. وفي مثل قضية حاسمة كهذه، ونعني هنا “الكنيسة السينودسية التأسيسية”، يجب ألا نخاف من الانخراط في نقاش فيما بيننا: فليست حججنا هي التي ستقنعنا ، وإنما الروح القدس الذي يقود الكنيسة إلى كل الحقيقة (راجع يو. 16:13).
نحن مدعوون جميعا، بضميرنا ، إلى تقديم ردودنا: من أولئك المقتنعين بعمق إلى أولئك الذين لا يزالون لديهم شكوك وصولا إلى أولئك الذين يعارضون علنا. فنحن لا نبني الشركة من خلال التحدث ضد عملية السينودس خارج أماكن الاصغاء. لا أحد ممنوع من الكلام. ولهذا السبب يجب أن نطلب من الروح المزيد من الشجاعة للتكلم بالعلن، لنوضح قناعاتنا بالكامل، ولكن أيضا للاستماع الكامل إلى صوت الآخرين. ومن الاستماع لبعضنا البعض سيولد هذا الإجماع conspiratio الذي سيسمح لنا بفهم ليس فقط ما إذا كانت الكنيسة سينودسية بشكل أساسي، ولكن ما هو شكل السينودسي الذي ينوي الروح أن يمنحه للكنيسة”.
وتايع :”يمكن للجمعيات القارية، التي تشكل فعلا إضافيا للبصيرة الكنسية، أن تلعب دورا حاسما في هذا المجال. بعد هذا الإصغاء الواسع بالتشاور مع شعب الله وبصيرة مؤتمرات الأساقفة ، عهد إلى الجمعيات القارية بمهمة أساسية في المسيرة السينودسية يكمن بالتمييز، اي اطلاق الحكم الصائب، ما إذا كانت محتويات الوثيقة الخاصة بالمرحلة القارية تتوافق مع مفهوم السينودسية كما تعيشه الكنائس في القارة وإلى أي مدى.
في العديد من القضايا التي طرحتها الكنائس الفردية وسجلتها مؤتمرات الأساقفة المعنية، ظهرت استجابات مختلفة، وأحيانا كانت في غاية الاختلاف من قارة إلى أخرى، إلا أنها وفي بعض الأحيان كانت استجابات متشابهة جدا. فمن الضروري أن تقيم كل جمعية هذه المحتويات بدقة، وأن تحدد بحرية وصراحة أي منها يتوافق مع موضوع الجمعية العامة العادية السادسة عشرة لسينودس الأساقفة وأي منها سيكون مصدر انقسام في الكنيسة.
ومن المهم التأكيد على أن قائمة المواضيع الموجودة في وثيقة العمل لا تشكل جدول أعمال السينودس، كما ذكرت آنفا مع الكاردينال هوليريش في رسالتنا الأخيرة إلى جميع الأساقفة. لا يمكن أن يكون هذا هو الحال ، ليس فقط بسبب عدد المواضيع الموجودة في وثيقة العمل التي سيكون من المستحيل تناولها وسيحتاج كل منها إلى إخضاعها لتمييز جاد ، ولكن أيضا لأن موضوع السينودس موجود بالفعل: ” الكنيسة المجمعية: شركة ، مشاركة ، رسالة “. هذا ليس بأي حال من الأحوال فرضا يقلل من حرية الكلام ، بل هو عمل احترام للكنيسة وأولئك الذين كرسوا أنفسهم لتعميق هذا الموضوع”.
أضاف:”هذا هو التمييز الذي تنتظره أمانة السينودس من المرحلة القارية حتى تتمكن، على أساس الوثائق الصادرة عن الجمعيات القارية السبع، من وضع أداة عمل Instrumentum laboris للجمعية العامة هي حقا تعبير عن الشركة الكنسية . ولا بد له ان يكون القيام بذلك لأمر مجدي، مع التأكد من أن الوثائق التي تقدمها الجمعيات القارية هي ثمرة تمييز على الوثيقة للمرحلة القارية والتي من شأنها أن تأخذ في الاعتبار الملاحظات القادمة من الكنائس الفردية الخاصة ومن مؤتمرات الأساقفة في القارة.
ولا بد من أن يكون ذلك كافيا للإشارة إلى أهمية المرحلة القارية. لقد كررنا مرارا أننا جميعا متدربون في السينودس. الآن في ختام المرحلة الأولى، ما زلنا متدربين، ولكننا تزودنا بمزيد من الخبرة، وبالتالي المزيد من القدرات والمسؤولية. إنها مسألة اتخاذ خطوة أخرى إلى الأمام على طريق السينودسية، وإنجاز المهمة الموكلة إلى هذه المرحلة المتوسطة من المسيرة السينودسية بأفضل ما في وسعنا”.
واستطرد غريش :”علاوة على ذلك ، فإن التمييز المطلوب من الجمعيات القارية ليس عملا منفردا يمكن أن يتجاهل استشارة شعب الله في الكنائس الخاصة والتمييز في مؤتمرات الأساقفة وحسب، بل هو في الواقع، “مرحلة”، لحظة مهمة في مسيرتنا نحو هدف هذا السينودس، أي الفهم الكامل للصيغة السينودسية للكنيسة ، لا سيما في العناصر الثلاثة التي تظهرها: الشركة والمشاركة والرسالة.
أود أن أعبر عن اقتناع قد أضفناه نضوجا مع تقدم المسيرة السينودسية وهو أن الروح يقودنا لتتبع المسار الكاثوليكي نحو السينودسية. لقد حافظ إخوتنا في الأرثوذكسية على الشكل القديم للسينودس، دون دمج أولوية كنيسة روما وأسقفها خليفة بطرس ؛ لقد طور إخوتنا في الكنائس وجماعات الإصلاح مجمعا لشعب الله ، متجاهلين الوظيفة المناسبة للرعاة. لذلك، نرغب بالحفاظ على تراث التقليد الذي يحافظ دائما على السينودسية والمجمعية والأولوية فيما يتعلق بالعناصر الضرورية وغير القابلة للتصرف في مسيرة السينودس ، المبنية على وظائف كل من شعب الله وكلية الأساقفة وأسقف ا روما.
من هنا، يمكن للكنائس الشرقية الكاثوليكية أن تساعدنا كثيرا ، والتي ، جنبا إلى جنب مع ممارسة السينودسية ، النموذجية في الشرق المسيحي، توحد الأمانة للكرسي الرسولي. أنا على يقين أنه من خلال هذا المسار سيكون من الممكن أيضا إحراز تقدم في الحوار المسكوني. عسى روح الرب القائم من بين الأموات أن يرشدنا خطواتنا ويمنحنا الشجاعة للسير في الطريق السينودسي ، الذي – أنا أؤمن بهذا من كل قلبي – هو الطريق الذي يفتحه الرب على كنيسة الألفية الثالثة.
الراعي
ثم القى البطريرك الكردينال مار بشارة بطرس الراعي، كلمة جاء فيها:” يسعدني أن أرحب بكم، وبخاصة صاحبي النيافة الكردينال ماريو Grech أمين عام سينودس الأساقفة، والكردينال جان كلود Hollerich منسق الجمعية العامة المقبلة لسينودس الأساقفة، نشكرهما على حضورهما ومشاركتهما وتوجيهاتهما. ويسعدنا أيضا أن نبدأ معا المرحلة القارية بهذه الجمعية السينودسية على صعيد الشرق الأوسط. فنحن البطاركة والأساقفة من الكنائس الشرقية البطريركية واللاتينية، مثل غيرنا من المجالس الأسقفية، نفتتح المرحلة الثانية من المسيرة السينودسية المرتكزة على ثلاث: الشركة والمشاركة والرسالة. تقود تفكيرنا “وثيقة المرحلة القارية” التي هي حصيلة المرحلة الأولى الإستشارية على المستوى العالمي. على ضوء هذه “الوثيقة” نحن نتابع طريق السعي إلى عيش كنيسة سينودسية؛ كنيسة تتعلم من سماع كلمة الله وقراءة علامات الأزمنة كيف تجدد رسالتها بإعلان الإنجيل وإعلان سر موت المسيح وقيامته من أجل خلاص العالم، وكيف تحقق الإستمرار في أن تقدم للبشرية كينونة وعيشا منفتحين على الجميع” (مقدمة “الوثيقة”، 13).
اضاف:” لا يغيبن عن بالنا السؤال الأساسي للمسيرة السينودسية وهو مزدوج: كيف يتحقق اليوم، محليا وعالميا، هذا السير معا الذي يمكن الكنيسة من إعلان الإنجيل وفق الرسالة التي سلمت إليها؟ ثم أي خطوات إضافية يلهمنا الروح القدس على اتخاذها لنكبر ككنيسة سينودسية (مقدمة “الوثيقة”، 2)؟ لكنني أسارع وأقول أن الموضوع ليس أكاديميا محضا، بل يرتكز على الصلاة وسماع كلمة الله وروح التوبة والإرتداد؛ وبالتالي على السماع المتبادل، والحوار، والتمييز. إنطلاقا من هذا الجو تدعونا “الوثيقة” للتفكير حول ثلاثة أسئلة أساسية، تذكرها في الفقرة 106.
أما عنوان “الوثيقة”: وسع مساحة خيمتك” المأخوذة من أشعيا (54: 2)، فهو صورة تشرح موضوع الجمعية العامة السادسة عشرة العادية لسينودس الأساقفة التي تلتئم من 4 إلى 29 تشرين الأول 2023. فالخيمة هي مساحة الشركة، ومكان المشاركة، وأساس الرسالة (“الوثيقة”، 11). إن مهمتنا في هذه الجمعية القارية هي أن نحدد الأولويات التي ستدرس في الجمعية العمومية المقبلة (“الوثيقة”، 7).
وختم الراعي :”إننا نضع تحت أنوار الروح القدس، وشفاعة أمنا مريم العذراء أم الكنيسة وسيدة لبنان، أعمال هذه الجمعية ونصلي لكي تكون ناجحة ومثمرة بالنعمة الإلهية، تحقيقا لأمنيات ونوايا قداسة البابا فرنسيس”.
الجلسة العامة الثانية
بعد جلسة الافتتاح، تابع المجتمعون الجلسات المتبقية، فكانت الجلسة الثانية للجمعية العامة الادارية، بعدها عقدت جلسات لمجموعات حسب البلدان على ان يختتم اليوم الاول وعند الساعة السابعة مساء بالاحتفال بالذبيحة الإلهية.